التقارير

إيران تمحي هويتنا العربية وتعوّل على صهرنا في البوتقة الفارسية

    الأحوازي يطرد يأسه حينما يتذكر بن بلّة ومحنة الشعب الجزائري ضد المستعمر

    الساسة في إيران يقولون لولا دعم طهران لأمريكا لما سقطت كابول ولا بغداد

 

حاوره عبد السلام سكية

 

صحافي ورئيس قسم الشؤون الدولية بجريدة الشروق اليومي

يلخص هذا الحوار مع الناشط الأحوازي ورئيس مركز دراسات عربستان الأحواز حامد كناني، “إيران من الداخل” حيث يفصل محدثنا الذي خص الشروق بهذا الحوار في الطابع المجتمعي والسياسي والديني لإيران، ونظرة ساستها لمكونات المجتمع هنالك، خاصة العرب وأهل السنة.

 

ماذا يعني أن تكون عربيا في إيران؟

 

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن هناك فرقا بين عرب إيران الذين هاجر أسلافهم مع الفتح الإسلامي لبلاد فارس ويقطنون في خراسان وكرمان ومناطق أخرى من إيران وعرب الأحواز الذين استوطنوا أرض الأحواز قبل وصول الفرس للواحات الإيرانية بآلاف السنين، وإيران اليوم تتكون من عدة شعوب، منها الشعب الفارسي صاحب النظرة الاستعلائية والمعادية للشعوب المحيطة به من عرب وترك وأكراد وبلوش وتركمان، كما أن الفكر التوسعي الفارسي مبني على مزاعم تاريخية ودوافع مذهبية ومطامع سياسية جميعها معادية للعنصر العربي، الأمر الذي خلق نظرة معادية للعرب من خلال اعتبار العربي نقيضاً للفارسي وحتى الإيراني ولهذا السبب لا يمكن للعربي أن يكون إيرانياً إلا إذا أنكر عروبته وتخلى عنها.

 

 

   بمفهوم المواطنة، هل المواطن الأحوازي مواطن كامل الحقوق والواجبات، أم أنه مواطن من الدرجة الثانية أو دونها؟

 

حقوق المواطنة والعدل والمساواة لم نجدها على أرض الواقع في إيران ولم تطبق أصلا وموجودة فقط في طيات الصحف والدستور الإيراني، والدستور يحتوي على بعض المواد التي تتضمن بعض الحقوق الثقافية البسيطة بالنسبة للشعوب غير الفارسية في إيران لكنها بقيت مجمدة حتى الآن.

 

علما أن الدولة الإيرانية الحديثة التي تشكلت نهاية الربع الأول من القرن العشرين وبعد احتلال الأحواز سنة 1925 أراد لها أن تكون دولة مواطنة وحقوق متساوية لجميع مكوناتها، ولهذا تم تغيير اسمها من “بلاد فارس” إلى “إيران” لكن انفراد الفرس بالسلطة واستفحال النزعة القومية الفارسية في أوساط الساسة في ذلك الوقت عرّض الشعوب غير الفارسية في إيران للاضطهاد القومي، حيث أصبح أبناء الشعوب غير الفارسية مواطنين من الدرجة الثانية في إيران، وبما أن النظرة عنصرية وحاقدة تجاه العنصر العربي أصبح العربي الأحوازي وبسبب عروبته وعقيدته مواطنا من الدرجة الثالثة أو دونها.

 

واليوم عندما تلتقي بالمستعربين من الفرس وتطرح معه موضوع الاضطهاد الذي يتعرّض له العرب في إيران، يأتيك بالدستور الإيراني ويعدد لك المواد الضامنة للعرب وغيرهم من الشعوب غير الفارسية، في حين هذه المواد معطلة ويعتبرها بعض الساسة أنها تهدد الأمن القومي، لذلك يسعى النظام الإيراني إلى وضع بعض العناصر المتعاونة والمخلصة له من أبناء الشعوب في الواجهة السياسية للإيحاء بأن طهران لا تفرق بين عربي وفارسي.

 

 

 

كيف تواجهون الوضع المعيشي، سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا، اجتماعيا؟

 

استهدفت الدولة الإيرانية الكيان الأحوازي بكل مقوماته الوطنية والحضارية وعملت على محو المعالم والسيادة العربية مباشرة، ومورست بعدها سياسات تعسفية فاقت حدودها الأخلاقية ضد الشعب العربي الأحوازي، واستهدفت طهران بسياساتها الهوية الوطنية العربية ونفذت عبر أساليب رخيصة ترتكز جميعها على أسس انتقامية معادية وحاقدة على العرب بشكل عام ومنها: التنكيل والتفقير والتجهيل والتهجير والفرسنة.

 

 

ماذا تريد إيران منكم، وماذا تريد من العرب؟

 

ما تريده إيران هو محو هويتنا العربية وصهرنا في البوتقة الفارسية أي “تفريسنا” حيث عملت الحكومات الفارسية وبشكل ممنهج على محو المعالم العربية من الأحواز بدأ بمنع العرب من التكلم والدراسة باللغة العربية ولبس الزي العربي التقليدي، وإبعاد العنصر العربي عن المشاركة في إدارة شؤونه المحلية وفرضت عليه المستوطنين الفرس الذين جلبتهم السلطات الفارسية بدافع الاستيلاء وغلبت التركيبة السكانية على حساب العرب وفي موطنهم التاريخي، ولم تنته موجات الاستيطان وخطط التغيير الديموغرافي مع ظهور صناعة النفط واكتشاف الغاز وتطور الزراعة في عهدي البهلوي الأول والثاني بل استمر الاستيطان وازدادت حدته في عهد النظام الحالي الذي يدعي الإسلام والعدالة والمساواة، حيث عمدت إيران على نزع الأراضي الزراعية من العرب، فأقدمت على تبني مشاريع زراعية صناعية ومنها مشاريع قصب السكر وصادرت أكثر من مليون هكتار من أجود الأراضي الزراعية من العرب، ووعدتهم بإيجاد وتوفير فرص عمل لهم، ولكن لم تف الحكومات بوعودها وبدل منح فرص العمل للعرب استقدمت العمالة من خارج الأحواز، وشيّدت لهم مستوطنات كبيرة على حساب العرب ولعل الرسالة الموجهة من مكتب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي والتي كانت تحمل توقيع مدير مكتبه محمد علي ابطحي، والتي تشير وبوضوح لتنفيذ خطة عنصرية واضحة المعالم لتهجير العرب من أوطانهم وتوطين غير العرب مكانهم كانت خير دليل على مساعي الفرس العدائية والمستمرة ضد أبناء الأحواز وتنفيذ سياسة مبرمجة تهدف إلى محو الكيان الأحوازي بكل مقوماته الوطنية والحضارية، كما عملت الأنظمة الفارسية على إخضاع الشعب العربي الأحوازي إلى تحكم المستوطنين الفرس الذين انفردوا بإدارة البلاد واستثمار خيراتها.

 

 

   ألا تعتقد أن هنالك حملة مظللة تقودها أطراف إقليمية وأنتم كأحوازيون وقدتوها ضد إيران؟

 

الشعب الذي قاوم أبشع وأسوأ أنواع الاحتلالات وصمد أمام كل السياسات العنصرية بقدراته الذاتية بعد حماية الله سبحانه وتعالى طيلة التسعة عقود الماضية لا يمكن أن يصبح ورقة ضغط أو وقود حرب إقليمية كانت أم دولية.

 

 لا أبالغ إذا قلت إن بطولات حركات التحرر في بلاد المغرب العربي ورموزها وتضحياتها الجسام في عهد الاستعمار الفرنسي هي الحاضرة الغائبة في مخيلة كل مناضل وإعلامي أحوازي، فالمناضل الأحوازي حين يصعد على منصة الإعدام يقتدي بعمر المختار ويقبل حبل المشنقة، والإعلامي الأحوازي حين يعجز عن التكلم باللغة العربية ولا يجيد فصاحتها يتذكر الرئيس أحمد بن بلّة ومحنة الشعب الجزائري آنذاك.

 

واليوم وبسبب وجود الكثير من الأحوازيين في الدول الغربية وحضورهم الإعلامي المميّز أصبحوا هم من يدافعون عن العراقيين والسوريين واليمنيين والبحرينيين والسعوديين واللبنانيين والإماراتيين في وسائل الإعلام العربية والفارسية والانجليزية ويناصرون معظم القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وهي قضيتنا المركزية وجرحنا الدامي.

 

 وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي من الواضح أن خطوات هذه الدول لمواجهة التمدّد الإيراني ضعيفة وخجولة ومتأخرة للغاية، ولم يلجأ الخليجيون لاستخدام أوراق الداخل الإيراني ومنها منظمة مجاهدي خلق على سبيل المثال وذلك للجم طهران، في حين أكملت إيران طوقها على هذه الدول من خلال استخدام أوراق داخلية في لبنان وسوريا والعراق واليمن والكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية، فلولا الأحزاب والتنظيمات العربية الموالية لإيران لم تتمكن طهران من تحقيق كل هذا التمدد الذي جاء على حساب الأمن القومي العربي.

 

وباستثناء المملكة العربية السعودية باقي دول مجلس التعاون الخليجي تبدو شبه مستعدة نفسيا للتعايش مع الواقع الجديد وهيمنة إيران على المنطقة، الكويت وقطر وسلطنة عمان على سبيل المثال أصبحت أقرب بسياساتها الخارجية لإيران من أشقائها الخليجيين.

 

 

 

 

إيران التي تعادونها، خاصمت إسرائيل وأمريكا، وساهمت في بناء المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ألا يكفيها فخرا ما قدمته، بالمقابل ماذا قدم العرب لقضاياهم المركزية، وتحديدا الصراع مع إسرائيل؟

 

بعد عملية التقارب الإيراني الأمريكي والمباركة الإسرائيلية لهذه العملية أصبحت قضية معاداة النظام الإيراني لإسرائيل وأمريكا وشعاراتها موضع سخرية في العاصمة الإيرانية طهران أكثر من معظم العواصم العربية المبهورة بإنجازات النظام الإيراني الكاذبة وبسياساته المخادعة ومع شديد الأسف نجد أن بعض العرب مواقفهم انفعالية وتصريحاتهم عاطفية ومشاعرهم تستغل بسهولة. 

 

والسياسة الدولية وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تغيّرت تماما ومنذ ذلك الحين طهران وعن طريق اللوبي الفارسي في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت المفاوضات السرية والتعاون المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية وذلك للنيل من عدو مشترك، أمريكا تريد الانتقام من أهل السنة العرب انتقاما لأبراجها التي ضربت في عز النهار وإيران تطلب ثأر انهيار إمبراطوريتها على يد المسلمين الأوائل وإعادة هيبتها المفقودة بعد هزيمتها في حرب الثمان سنوات مع العراق، وهناك مقولة تكشف عمق التعاون الإيراني الأمريكي وقالها أكثر من مسؤول إيراني وهي”لولا دعم طهران ومساعدتها لأمريكا لما سقطت كابول ولا بغداد”.

 

وأما القضية الفلسطينية صحيح أن إيران نادت بمحو إسرائيل وفتحت السفارة الفلسطينية بدل السفارة الإسرائيلية في طهران بعد انتصار الثورة سنة 1979 ولكن الخدمة المجانية التي قدمتها طهران لإسرائيل لم يتخيلها عباقرة الصهاينة وهي أن إيران دمرت أربعة جيوش عربية، وعرقلت عملية بناء الجيش العراقي حتى الآن، كما أنها تحاول القضاء على الجيش السوري بشكل تام ونحن نلاحظ تباين وجهات النظر والاختلاف بينها وبين روسيا بالنسبة لسوريا، حيث روسيا تريد الحفاظ على الدولة السورية دون الأسد لكن إيران تريد الحفاظ على شخص الأسد لأنها تجد ضالتها فيه، وأما خلق إيران لعدة قضايا بالشرق الأوسط وإزاحت القضية الفلسطينية من المشهد، حيث قضايا العراق وسوريا واليمن زاحمت القضية الفلسطينية في مكانتها وأصبحت القضية الفلسطينية نوعا ما بعيدة عن الاهتمام العربي والعالمي وهي خدمة أخرى قدمتها طهران مجانا للصهاينة.

 

ومن ناحية أخرى اعتمدت طهران سياسة التفرقة مابين الفلسطينيين ودعم فريق فلسطيني ضد فريق آخر، فنصبت العداء للقيادة الفلسطينية وقدمت الدعم لحماس والجهاد الإسلامي وتمكنت من إيجاد شرخ في الإجماع الوطني الفلسطيني، ثم أقدمت على تجزئة المجزأ وقطعت الدعم حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وخلقت فصيلا آخر لتضرب به حماس والجهاد الإسلامي وهي حركة الصابرين ذات التوجه الشيعي.

 

 

   ماذا سيتغير في إيران، بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الكبرى؟

 

لا أعتقد أن تحصل المعجزة في إيران بعد الاتفاق النووي، وهذا ما أكده المرشد علي خامنئي أخيرا حين قال إن سياستنا الخارجية لن تتغيّر وأما الوضع الداخلي أثبت هذا النظام للإيرانيين وللعالم أكثر من مرة أنه غير قابل للإصلاح وأن السلام والإصلاح السياسي لا يتماشى مع طبيعة النظام الإيراني العدوانية.

 

 

   هل تنكر أنها نجحت حيث أخفق العرب الذين ينامون على ملايير الدولارات، وأنها صمدت طيلة سنوات في مواجهة العقوبات الغربية عليها؟

 

اسمح لي أن أختلف معك في تفسير النجاح والصمود بالنسبة للنظام الإيراني، هل ترى أن النجاح هو اختراق سيادة الدول والتدخل بشؤونها الداخلية ودعم الإرهاب ومعاداة المجتمع الدولي وخوض مغامرات نووية وصاروخية فاشلة لم تجلب لنا سوى عدة قرارات بالعقوبات الدولية وضياع 700 مليار دولار من أموالنا وتشريد أكثر من 6 مليون إيراني للخارج وقتل الآلاف في السجون واغتصاب الرجال والنساء في زنازين سجن كهريزك وملء السجون بالشباب والسماح للمخدرات أن تلتهم 15 مليون أخر، وانتشار الفحشاء وتدني سن الدعارة حتى يصل إلى تسعة سنوات، وسكن عشرين ألف رجل وامرأة في شوارع طهران وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وتآكل الطبقة الوسطى في المجتمع الإيراني، ومن ثم التراجع والتوسل بأمريكا من أجل تحرير مائة مليار من أموالنا المجمدة..هل هذا هو النجاح؟.

 

 

 

  إلى أي مدى يمكن أن يصل”الطمع” الإيراني في المنقطة، بعد سوريا لبنان العراق واليمن؟

 

ما تريده إيران هو واضح ومكشوف، حيث يعتقد الفرس أن حدود إيران تصل إلى مصر وليبيا غربا وسوف لن يكتفي جنرالات الحرس الثوري بالوقوف عند حدود سوريا والعراق ولبنان بل سوف يعملون من أجل إعادة إمبراطوريتها بالكامل.

 

طهران تستغل الإسلام والتشيّع والقضية الفلسطينية لصالح أهدافها التوسعية وهناك الكثير من المواقف المزدوجة لسياستها الخارجية تؤكد لنا صحة هذا الكلام ففي قضية صراع دولة آذربيجان(الشيعية) مع دولة أرمينيا(المسيحية) حول إقليم قره باغ الواقع شمال إيران تجد أن طهران تقف بجانب أرمينيا المسيحية ضد آذربيجان المسلمة.

 

ولم تحتج طهران ولو لمرة واحدة من أجل مسلمي الإيغور ومعاناتهم في الصين، ولم تسجل موقفا واحدا لصالح الشعب الشيشاني في روسيا بينما تملأ الدنيا ضجيجا من أجل اعتقال شخص من شيعة البحرين، وفي نفس الوقت ميليشياتها تطارد المرجع الشيعي العراقي السيد الحسني الصرخي وتقتل العشرات من أتباعه في العراق.

 

 

 هل العداء الذي تكنه إيران إلى سكان الأحواز، راجع إلا أنهم عرب أم أنهم سنة؟

 

 العداء الفارسي للعرب يعود لما قبل الإسلام، وأصبح العرب في المنطقة أمام مشهد غريب بالنسبة لهم، لكنه غير غريب بالنسبة للأحوازيين وهو بدأ عملية التفريس العنصري والوحشي وقضم وابتلاع أوطان العرب والقضاء على الشيعة قبل القضاء على أهل السنة كما فعل الفرس في الأحواز، فالعداء الفارسي هو موجه للعنصر العربي سواء كان سني أو شيعي، فالتشيّع لا يشفع للعربي ولا يحميه من البطش والتنكيل.

 

 

هل ممارسة شعائركم الدينية تتم في ظروف اعتيادية؟

 

طبعا لا..الدستور الإيراني ينص وبوضوح على أن إيران دولة شيعية ولا يسمح لغير الشيعي أن يشغل منصبا رفيعا في الدولة وهناك ترويج متعمد بين العامة وهو أن السني وهابي وقاتل الحسين ومغتصب الولاية من علي ابن أبي طالب وكاسر ضلع الزهراء.

 

لم تسمح السلطات الإيرانية لأكثر من مليون ونصف المليون سني يقيم في طهران من بناء مسجد واحد يجمعهم وكل من يعيش في طهران يعرف أن أهل السنة يوم الجمعة يذهبون للملحقية الثقافية الباكستانية لإقامة الصلاة فيها وحتى الشيعة العرب يتعرضون للمضايقات من قبل السلطات في ممارسة شعائرهم الدينية التي لا تحمل النفس الفارسي وهو الطعن بزوجات الرسول وشتم الصحابة والتطبير وما شابه ذلك من بدع.

 

   

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى