مقالات

عرس الدم في دمشق بقلم: نوري الجراح

لماذا يحتاج بشار حافظ أسد إلى مسرحية هزلية للبقاء في قصر المهاجرين بدمشق، وهو لم يكن يوماً رئيساً منتخباً، لا في سنواته السبع الأولى، ولا في التي أعقبتها؟

لماذا يُلزم بشار حافظ أسد نفسه بما لا لزوم له ليواصل حكم سوريا التي أورثه أبوه شعبها مُلكاً خالصاً له، يفعل به ما يشاء؟

يستطيع بشار حافظ أسد أن يواصل وجوده في قصر المهاجرين بين خبرائه الروس وحراسه الإيرانيين، بالطريقة نفسها التي حافظ بها على نفسه من غضب شعبه، طوال السنوات الثلاث المنصرمة، عن طريق القتل والقتل والقتل، بكل ما يملك هو ويملك حلفاؤه الروس والإيرانيون من وسائل الجريمة، من السكاكين والبلطات إلى غاز السارين، ومن القنابل العنقودية إلى القنابل الفراغية، وعلى مدار النهار والليل هناك البراميل المتفجرة والصواريخ العابرة للمدن.

بشار حافظ أسد، ابن أبيه، لا يحتاج إلى المسرحية الهزلية التي يخرجها له الروس والإيرانيون، ويشهدون له عليها، حتى يكون رئيساً شرعياً لسبع سنوات أخرى، فالشرعية في عرف العائلة التي أنجبته ورعاتها، يؤتى بها من مكان آخر، وبطريقة أخرى.

جاء حافظ أسد إلى الحكم عبر انقلاب عسكري، وسرعان ما صار الأبَ القائد، أباً دموياً لجميع السوريين. بشار حافظ أسد، بدوره، وكما يذكر العالم، جاء إلى الحكم صيف سنة 2000 عن طريق تعديل أجري على الدستور في 10 دقائق، وهو لم يدخل إلى قصر المهاجرين، لكنه ولد فيه، وواصل إقامته في بيت أبيه، إنما في كرسي الأب نفسه، هذه المرة، وعن طريق الاستفتاء الشعبي الذي فصله أبوه لنفسه، لا يترشح خلاله سوى شخص واحد، ولا يفوز فيه المرشح الوحيد بأقل من 99.9 %

جميعنا يذكر، ذلك الاجماع الدولي المدهش على وصول هذا الوريث القاصر إلى الحكم، فلم يتخلف عن حضور تلك اللحظة الأليمة في حياة السوريين، سوى بلد واحد هو اسرائيل. كان الإجماع على جلوس الوريث على عرش أبيه مذهلاً، إيران وأمريكا، والسعودية، وفنزويلا، وروسيا، والصين، وموزامبيق وقطر، وألمانيا، وحزب الله، وجزر القمر. الجميع كان هناك. وكل شيء تم بسلاسة، فالحاكم الذي جعل من جبهة الجولان، قبراً صامتاً، ما يزال إذن يحكم سوريا من قبره، وكل شيء يمضي كما كان.

لماذا يريد بشار حافظ أسد لنفسه الصورة الهزلية التي خرج بها على السوريين والعالم، وكل من تابع حملته الانتخابية بالبراميل المتفجرة، رأى في صورتي المرشحين المجاورين للمرشح الفائز سلفا، مسخين بائسين في جوار مسخ أشد منهما بؤسا، لكنه منتصر لامحالة على شعبه وعلى فكرة الديمقراطية وإرثها المجتمعي، وقد وجهت لها انتخاباته إهانات غير مسبوقة حتى في أباس البلدان.

يستطيع بشار حافظ أسد، بانتخابات مزورة ومن دونها، مواصلة مشروعه التقتيلي والتدميري بحق السوريين إلى ما لا نهاية، مادام حلفاؤه بارين به، ومادام حلفاء الشعب السوري وأصدقاؤه مبررين لأنفسهم عجزهم المستمر عن الانتصار للقيم التي ينادون بها في الحرية والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

يستطيع حاكم قصر المهاجرين أن يبقى في ذلك القصر المحتل، والخاضع كليا لأوامر قاسم سليماني، الحاكم الفعلي لكل من العراق وسوريا ولبنان، من دون تلك المسرحية الهزلية الدامية، وقد أفنى صاحبها من السوريين خلالها، منذ أن انطلقت قبل شهور قليلة، آلافا مؤلفة من الضحايا، الذين واصلوا ثورتهم على حاكم جزار، واحتلال إيراني، وعصابات جندتها طهران ودعمتها بالمال والعتاد والسلاح، ليبقى في قصر المهاجرين بدمشق حاكم مطيع ينفذ كل ما تخطط له إيران في المنطقة العربية، وقد تحولت سوريا السوريين بفعل سياساتها العنصرية المريضة إلى محافظة إيرانية. فهي كما صرح رجل الدين الإيراني المشهور مهدي طائب في وقت سابق من هذا العام “يجب أن تكون المحافظة الإيرانية 35” معتبرا “ضياع الأحواز (التي تحتوي على 90 بالمئة من الثروة الإيرانية) أهون بكثير من ضياع سوريا من يد إيران”.

ولو شئنا أن نعتبر هذا الهزل الأسدي في سوريا عملا انتخابيا، فهل يجوز، في الأعراف الدولية، لبلد واقع تحت الاحتلال، أن تجرى فيه انتخابات؟ بلد تسرح فيه وتمرح عصابات إرهابية خارجية، استباحت حدوده، وراحت تعيث فيه فساداً، وقتلاً وتخريباً، هل يصلح بلد بهذا الوضع أن يقام فيه صندوق للاقتراع؟

كل ما يجري في سوريا التي ليس فيها عرين إلا للأسد، (كما يقول ملصق انتخابي مرفوع في دمشق) ينتمى إلى عالم الجنون. إنما هو جنون يجب أن يساءل فيه المجتمع الدولي كله بمؤسساته الراعية لحقوق الإنسان والمحكومة بشرائع تنظم العلاقات بين الدول والمجتمعات.

إن ما يجري في سوريا هو صورة جلية لجنون المصالح الكبرى السائد في عالم يمضي أكثر فاكثر نحو التوحش، نحو سيادة الكلبية وهيمنة قيم الغابة على قيم الاجتماع الإنساني.

سينتصر الأسد في “انتخابات الدم”، هذا معروف سلفاً، فهي انتخابات مزورة بالمطلق، وبدهي أن انتصاره لن يكون عملا مشرفاً، وإنما هو عمل حربي، ونوع من البلطجة من قبل أمير حرب يختطف العاصمة دمشق بسكانها المعدودين بالملايين، ويمارس عليهم إرهاب السلاح والخبز والاعتقال، بينما تئن المدن الأخرى التي يحتلها تحت إرهاب عصاباته الإيرانية.

انتصار سفاح كهذا في انتخابات كالتي نشهدها في دمشق هو هزيمة للعقل، والقيم الإنسانية، ليس إلا، وبشار أسد لم يعد يحكم سوريا، التي خرج نصفها من تحت حكمه، ولكنه مجرد أمير حرب دموي، سيحتفل في المناطق التي تخضع له، وتقام أعراس انتصاره المزيف في ظل الوصاية الإيرانية الروسية التي لولاها لكان الآن في المقبرة، أو وراء القضبان.

شيء أخير، لابدّ من قوله لتلك الشخصيات والهيئات الدمشقية المزورة التي جلست في صورة “المجتمع الدمشقي” المؤيد لبقاء الأسد وعصاباته، هذه “الصدارة” لكم تحت صورة سفاح الشام المؤتمر بأمر طهران، تعيد إلى الأذهان، تلك الصور الذليلة للشخصيات التي يقرّعها التاريخ، وتستشهد بها الأجيال على ذل الماضي. وهي صورة تتناقض بالمطلق مع الصور الكريمة لرجالات دمشق الأحرار الذين أثروا الحياة الوطنية بالأمثلة على انتمائهم لفكرة الحرية، كعبد الرحمن الشهبندر ومحمد كرد علي وخالد العظم، وشكري القوتلي، وخير الدين الزركلي، والمطران حداد ويوسف بك العظمة، شهيد الحرية الاول في سوريا، وكثيرين غيرهم ممن دوّنوا أسماءهم في صفحة الشرف.

شهداء غوطة دمشق الأطفال أنقذهم الموت من أن يعيشوا ليروا الصورة المزورة والهزيلة للمجتمع الدمشقي وقد أظهرته، هذه المرة، ركيكاً وذليلاً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى