مقالات

الأمن الثقافي العربي.. اللغة والهوية

كلمة اليوم

يجتمع في الرياض، اليوم، وزراء الثقافة العرب، يجتمعون لتحصين الأمن الثقافي العربي، في ظل ظروف اختلط فيها الحابل بالنابل، أصبحت اللغة وهي أداة اتصال، مختلفة ومتغيرة وعصية على الفهم أحيانا؛ لما فيها من لبس وإدخال غريب عن صلب حضارتنا، الحضارة التي قامت على العدل والإحسان والبيان، وعلى التواصل والتعارف والجدال بالتي هي أحسن.

يجتمع مسؤولو الثقافة العربية في الرياض؛ بحثا عن حاضن استراتيجي، ومستودع للأمن الثقافي، في بلد ظل دائما وسيبقى معتزا بالعربية ثقافة وهوية ولغة، وهي اللغة التي نزل بها القرآن؛ لمكانتها ولأهميتها، وأهمية ومكانة قومها، وهو الذي حدا بشاعر العربية علي الجارم للقول (نَـزَل الـقُرْآنُ بـالضَّادِ .. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا سِواهُ لكَفَاها).

“اللغة العربية منطلق للتكامل الثقافي والإنساني” فهي الهوية التي تجمع العرب على اختلافهم، وهي اللغة التي برع فيها اشقاؤنا العرب من الديانات الأخرى، ومنحوها جل جهدهم، وحافظوا عليها، والله خير الحافظين، وهي اللغة التي تتجاوز الأحقاد والصغائر، والعابرة للطائفيات والحدود، وهي اللغة التي ينظم كل شاعر وكاتب ومثقف وإعلامي رسمه ووسمه بها، وهي العصية على الانطواء والاعتزال، رغم أنوف الآخرين، ممن حاولوا هدم الدولة وبعثرة المجتمعات، إلا أنهم لم ولن يقووا على مواجهة اللغة ومصادرتها، مثلما كان القرآن واللغة خير حافظ للهوية في بلاد المغرب العربي، التي تعرضت للاستعمار الثقافي، ومثلما يواجه اليوم العرب الأحواز خطر التفريس في إيران، عبر الإعلاء من اللغة وعبر حفظ القرآن وإجادة الشعر، إذا تجد البراعة في اللغة بين صفوفهم رغم التضييق الكبير الذي يعيشونه.

إن الاهتمام باللغة لغة القرآن، بموازاة المعارف الأخرى، وعبر التفاعل مع معطيات العصر وروحه العلمية القائمة على التقنية، وتطوير اللغة لأنها من أدوات تطوير الثقافة، واسترجاع الوهج الثقافي والحضاري للغة العربية كحصن إستراتيجي للحماية الثقافية والأمن الثقافي العربي؛ لهو من صلب المهام الرئيسة لهذه المؤتمرات، ولعل مختلف الحضارات الإنسانية تعتني بلغاتها، وتهتم بها كأداة اتصال حضاري وإنساني، حيث تساهم اللغة بتعزيز قيم التعددية الثقافية من خلال محورية اللغة الجامعة والموحدة للجميع.

واللغة هي الساحة والمكان والفضاء التعبيري عن التاريخ والمستقبل، وهي لغة التوحيد والوحدة، التي جعلت علامة العراق محمد بهجة الأثري يؤكد وفي الدورة الخمسين لمجمع اللغة العربية، المنعقد في القاهرة عام 1984، مدافعا عن اللغة وأهميتها بقوله (انقلاب الزمان أغرى الزرازير.. فصالوا واستوقح الادعياء.. لغة المرء ذاته ان تهن هان.. وأضوى وذلت الكبرياء)

فاللغة هي تعبير عن أحاسيس الشعوب وحضاراتهم الإنسانية، ومستودع ذاكرتهم، وخيالهم وآملاهم وطموحاتهم المستقبلية القائمة على مشروع حضاري عربي ثقافي، يؤكد على أهمية ومركزية اللغة، باعتبارها مكونا اساسيا في الحفاظ على الهوية، وبناء الشخصية وتجذير القيم.

واللغة التي وسعت كل شيء، وفي مكوناتها لغة الإعجاز الرباني، لقادرة على استيعاب المعطيات العلمية العصرية، ومتطلبات عصر المعلومات، عندما تعطى حق قدرها واهتمامها، وعندما تفعل مجامع اللغة العربية، ويتم التركيز فيها على النشء العربي بتجويد اللغة وتحسينها، وجعلها موازية لبناء الشخصية والهوية، وبمضامينها الفكرية والأدبية والتربوية القائمة على سفر خالد من التراث العربي والإسلامي.

إن الاحتفاء باللغة في الرياض، اليوم، هو احتفاء بالعروبة التي توحدنا في إطار التعدد، وهي الثراء العلمي والتعبير الحضاري عن قيمة التسامح وفضيلة التنوع التي تعيشها بلداننا، في توقيت يحاول البعض فيه الضغط على جذر العصبيات والهويات الضيقة اختلافا وتجافيا وتجاوزا وصراعا، في حين أن التاريخ ينبئ بأن العروبة لغة وشعرا وبيانا كانت تعبيرا حضاريا متجانسا متسامحا، يؤكد قدرة هذه الأمة على تجاوز انتكاساتها، وصحوتها من خلال مثقفيها ورعاة الكلمة فيها، ولسان حالنا قول الشاعر (فكيف ينال العدا من حماك.. وأنت ختام حروف الكتب.. وأنت لسان رسول كريم.. وأنت البيان وفيك الخطب) عبر تعزيز هويتها الراسخة القائمة على اللغة العربية، وبمضامينها الحضارية الإسلامية الراسية على قاعدة ربانية، تؤكد نزول القرآن الكريم بلغة العرب وبيانهم (بلسان عربي مبين)، من غير ذي عوج، فصلت آياته بلغة واضحة.

 

نقلا عن ((اليوم السعودية))

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى